4840138 – 03
aiu_caritasalex@yahoo.com
القصص
تعلمت فى السجن
أنا الابن الأكبر لأسرة متوسطة الحال، أعيش مع أسرتى التى فقدت الأب منذ
سنوات عديدة، وتقوم الأم بدور العائل والمدبر للعائلة. وقد عانت أمى كثيراً، خاصة
حين مررت بتجربة الإدمان. وحينما أراد لى الله الخروج من هذه الأزمة، بدأت سلسلة
أخرى من المشاكل والقضايا والخسائر المادية والأمراض المختلفة، ومنها إصابتى
بفيروس نقص المناعة البشري! وربما تكون فترة السجن هى الأكثر مشقة على النفس،
ومن الصعب أن تمحى من الذاكرة.
أريد أن أذكر لكم أننى قبل دخولى السجن كنت قد التقيت بمقدمى خدمة التحليل
الطوعي والتوعية من الإصابة بالإيدز؛ وبعد جلسات الفحص والمشورة بما فيها من تقديم
معلومات حول طرق انتقال العدوى وسبل التعايش مع الفيروس وافقت على إجراء التحليل
لوجودإحتمال بإصابتى. وقد ساعدتنى جلسات المشورة على تقبل نتيجة التحليل، إلا ان
مشكلتى كانت فى مصارحة الآخرين بحالتى الصحية، خاصة أهلى وأسرتى.
أثناء وجودى بالسجن كان الطبيب يزورنا مرة فى الأسبوع لمداواة المرضى
والكشف عليهم. وبعد ثلاثة أسابيع من التردد، قررت أن أخبره بأمرى طالباً منه
المساعدة؛ إلا انه أخبر المسؤولين عن محبسى بشكل فوضوى وطالبهم أن يعرفوا زملائى
المساجين ألا يأكل أو يشرب معى أحد، وذلك لأنى مصاب بمرض معدٍ.
وعلى الفور تم عزلى فى زنزانة مساحتها 1.5م*1م لمدة شهر ونصف، وذلك تجنباً لنشر الزعر بين السجناء، هذا رغم
أنى كنت مثالاً للهدوء والطاعة.
وفى إحدى المرات أثناء ترحيلى من السجن للمحكمة رأس المأمورية أحد الضباط،
وعند وصولنا كان ينتظرنى أهلى، فقام بفضح سرى على الملأ وقال لهم: “ابنكم
عنده إيدز، محدش يقرب منه”!
تكررت المأموريات مع هذا الضابط وكان حينما يراني ينادينى ويقول: “يا
مأدز”! كلمة عجيبة تبعث على الغضب والثورة، إلا أن الله كان يمنحنى
السكينة والحكمة فى هذه اللحظات لمواجهة الصعاب بنفس راضية.
لقد تعلمت الكثير خلال فترة وجودى بالسجن، وبعد الإفراج عنى حرصت على
التطوع بالجمعيات التى ترعى المتعايشين؛ كما حرصت على توعية أصحاب السلوكيات
الخطرة والمدمنين حتى يتجنبوا انتقال العدوى ويعرفوا حقوقهم، ووسائل الحصول عليها.
أما أسرتى، فقد أُحبطت
كثيراً من موقفهم منى، فلم أرى فى عيونهم إلا نظرات الشفقة والحزن! وحين أخبرتهم
بما أقوم به بين المتعايشين أنتابهم الخوف الشديد والشعور بالوصمة. والحمدلله الذى
ألهمني أن أعتمد على نفسي، حتى التقيت بفتاة (ليست مصابة بالفيروس) إلا أنها
عوضتنى غياب أسرتي، كما أنها قبلت الزواج منى ورضيت أن تكون رفيقة عمري وشريكتي
لأبدأ معها حياتى من جديد.